حقيقة إن من يتابع ما يدور في هذا الكون من أحداثٍ يقف حائراً ومتسائلاً عن الذي يجري بالتحديد، ولمصلحة من؟! فكل يومٍ تفجير هنا وتدميرٌ هناك وإزهاق لأرواح بريئة وإراقة لدماء معصومة، فمن الرياض إلى بغداد، ومن اسطنبول إلى شرم الشيخ، ومن لندن إلى كابول، ومن بيروت إلى مدريد، وكل ذلك يحدث ومليارات الأشخاص تطالع وتتابع ما يحدث، ويتساءلون حول من يقف وراء تلك الأعمال ومن المستفيد!!
هذا مع ما تروجه وسائل الإعلام العالمية ـ والغربية على وجه الخصوص ـ من أن جميع تلك الأعمال الإرهابية يقف وراءها مسلمون يخططون ويدبرون ويتعبدون الله بمثل تلك الأعمال، ويستغلونها لفرض آرائهم ومعتقداتهم، فإننا لو سلمنا بما يقولون أو على الأقل استمر صمتنا كما هو عليه الآن، فإنه من غير المنطقي أن تصب كل تلك الأعمال في خزينة الإسلام وأهله، فالمستفيد واضح للعيان والمتضرر من ذلك المسلمون فقط، وإذا كان الأمر كذلك فكيف نسلم بل ويردد بعضنا ما تروج له بعض وسائل الإعلام الغربية من أن من يقف وراء تلك الأعمال مسلمون؟! كيف بربكم يقوم شخص بعمل ينصب ضرره عليه فقط؟! فإن قلنا: إن ذلك قابل للحدوث مرة واثنتين وحتى ثلاث مرات فلن يحدث ذلك بشكلٍ دائم.
يعلم الله أننا في وضع يصيب الحليم بالحيرة بسبب كثرة ما يتردد حول قيام أبناء الأمة بكل تلك الأعمال الإرهابية التي ليس لنا مصلحة أو منفعة منها لا من قريب ولا من بعيد، ولكثرة الفرق الإسلامية واختلافها وتباعدها عن بعضها وانعدام التواصل والتحاور فيما بينها؛ بل وفقد الثقة وتبادل الاتهامات بين الحين والآخر، كل ذلك خلق بيئة مناسبة لنقف حيارى نصدق كل ما يقال عنّا وعن إخواننا وأمتنا، وهذا ما أراده أعداء الأمة وخنعنا له وانشغلنا عنه بتبادل الاتهامات والاختلاف في أمورٍ لا عائد منها ولا فائدة، خاصة حين تقاس بالخسائر التي تكبدناها طوال الفترات الماضية وحتى الآن.
والغريب أن من أبناء المسلمين المقلدين من يلقي الاتهامات على إخوانه جزافاً حتى دون التحقق من أن من قام بتلك الأعمال مسلمون حقاً، وعلى سبيل المثال بعد تفجيرات "لندن" خرج بعض المحللين العرب بعد دقائق من التفجيرات ينددون ويشجبون ويطالبون بإصلاح أحوال المسلمين ومناهجهم ومراقبة المدارس وحلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية، وفي المقابل قال رئيس شرطة "لندن": إنه لا يتهم أحداً بتلك التفجيرات وإنه لا يعتقد أن الإسلام وتعاليمه تحث على العنف، وأضاف أن من يرتكب تلك التفجيرات مدعياً أنها باسم الإسلام فليس بمسلم.
ومن هذا المنطلق فإني أنادي إخواني وأحثهم على الالتفاف واجتناب الفرقة والتناحر؛ من أجل رفعة الأمة ورقيها، أو على الأقل حماية لها من أعدائها الذين لا يفوتون الفرصة ويستغلون كل خلاف ويجيرونه لمصلحتهم، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك أخي، فتنازل وضحِ ولو على الأقل في الفترة الراهنة التي نحن فيها أحوج ما نكن للتكاتف والتعاضد والوقوف صفاً واحداً في وجوه الأعداء الذين بدؤوا ينهشوننا من كل جانب، ولكن كل ذلك لن يضيرنا إن نحن استيقظنا وتنبهنا لما يسعون إليه واتحدنا لحماية أمتنا وحفظ كرامتها واستعادة أمجادها، وهذا ما سيحصل ـ بإذن الله ـ ونسأله أن يشرفنا بتحقيق ذلك بأيدينا قبل أجيال تأتي بعدنا تكون أفضل منّا.