عدد الرسائل : 557 الاوسمة : تاريخ التسجيل : 19/01/2008
موضوع: آخر ليلة ............. الجمعة أبريل 11, 2008 7:08 am
آخر ليلة وضعت فستان زفافي على سريري بعناية وابتسامة تحمل كل معاني السعادة ترتسم على ثغري. ترتيبات الزفاف التي طالما اعتبرتها مملة وسخيفة بدت لي مثيرة ورائعة ,التسوق الذي لم يكن يعني لي سوى ممارسات مملة ومرهقة أصبح هوايتي منذ عرفت الدكتور وليد في تلك الندوة الطبية وبعد فترة صارحني بأنه لا يجيد الكلام المنمق والمقدمات وهو يريدني ويتمنى لو أقبل به، خيب ذلك أملي في البداية لكنه كان أكبر أحلامي ، ما فائدة الرومانسية؟ هي الحياة هكذا دائماً ! أشياء كثيرة كانت تضايقني في الماضي أخذت أكتشف جمالها وأدرك كم هي تجربة رائعة أن يأتي رجل كل أمله أن يبقى معك ما بقي له من عمر ، أو يأتي حاملا لك هدية، أو يرسل لك رسالة نصية جميلة، أو حتى يقدم لك بعض النقود لتحققي نزواتك! غريب.. كيف كنت ألوم شقيقاتي وقريباتي؟ شيء واحد بقي ولم تعرفه؟ مادام الأمر جميلاً هكذا فلم تبكي العروس دوماً قبل مغادرة بيت العائلة؟ بدت لعا العبارة غير مستساغة ، يا رب ! ماذا قلت؟ بيت العائلة؟ أليس بيتي؟ بالأمس كنت أقول للجميع:" سأعود إلى بيتي... ألن تزوروا بيتنا؟ غيرنا الديكور... بيتي ... بيتي... هل أصبح ببساطة بيت العائلة؟" صدمني الأمر وأخذت أتخيل ماذا سيحصل في حال غادرت بيتنا.... " آلو .. ماما هل يمكنني تناول الغذاء في بيتك؟" " آسفة عزيزتي .. خالتك مريضة ولن أكون في البيت!" وعندما أتشاجر مع وليد وأعود إلى والدي سيصالحنا أبي ويقول لي:" اذهبي إلى منزلك" و هو الذي لم يكن يسمح لي ليلة في البقاء خارج هذا البيت.سأصبح غريبة لا يحق لي زيارة هذا البيت إلاّ بإذن مسبق من وليد ومن والدي مراعاة لظروفهما. سأجلس في غرفة الضيوف عند دخول البيت أولاًً، وأمي ترحب بي وبزوجي وتستأذن لدقائق ريثما تحضرّ القهوة لنا، ومن ثم ّ إن أردت أتجول بين الغرف... بدت لي تلك الحقيقة مؤلمة و حزينة . لن أنام في سريري ابتداء من الغد . لن أستخدم خزانتي ولا مكتبتي الصغيرة ..لن أقبل أمي كل ليلة..لن أناقش أبي في قراراته اليومية. اندفعت نحو غرفة والديّ،طرقتها بعنف... سمعت أبي يقول:" تفضلي" دخلت وأنا ألهث وقلت بحزم:" لن أتزوج!" اعتدل أبي والدهشة مرسومة على ملامحه بينما شهقت أمي قائلة:" هل أنت مجنونة؟ لا تريدين ماذا؟" قلت باكية:" لا أريد أن أتزوج يا أمي. لا أريد فحسب" ابتسم أبي وقال :" حسناً .. كما تريدين!" حاولت أمي أن تقول شيئاً لكن أبي رفض قائلاً :" دعي ابنتي وشأنها . لن يعترض أحدٌ قرارك هذا ثقي بذلك." عدت إلى غرفتي... نعم غرفتي وحدي... لن أخرج منها. قضيت فيها أجمل لحظاتي ولن أفرط في ذلك من أجل رجل عابر..ياإلهي... ماذا يحصل لي؟ وليد ليس رجلاً عابراً أنا أحبه... هل أصبح عابراً فقط لأنه سيحرمني من غرفتي..من أمي وأبي وبيتنا.ألم يكن هو حلمي الأجمل؟؟ * * * لزمت فراشي طيلة ذلك الصباح ، ولم تقطع أمي علي وحدتي المختارة ولم تأت شقيقاتي ليبدأن في الاستعداد لحفل زفافي .. بصراحة لم يعجبني رد فعلهم . أردتهم أن يسألوني لماذا تراجعت عن قراري .كنت بحاجة لمن يسمعني ويأخذ بيدي... وقبيل المغرب بقليل اتصل بي وليد ، شعرت بتوتر شديد ماذا سأقول له الآن؟ كان متحمساً للغاية وهو يحدثني عن حيرته في اختيار ربطة عنق مناسبة وأنه يكره أن يرتدي بذلة سوداء في ليلة العمر وسألني ضاحكاً ما إذا كنت أعترض على ارتداء بذلة بيضاء بدل تلك التي اخترناها معاً ... تركته يتكلم ... ويتكلم ...ويتكلم وأنا أقاوم دموعي بصعوبة.. كيف أهدم ما خططنا له طوال عام ونيف؟ هل أقول له ببساطة:" أنا لن أترك بيت أهلي؟" لكنه حقاً بيت أهلي وليس بيتي أنا. يبدو هذا سخيفاً ، استجمعت شجاعتي وقلت له :"وليد، ماذا لو عدلنا عن فكرة الزوج ؟" _ " تقصدين نؤجلها؟ لماذا؟" _" لا ، أقصد أن نلغيها. لست مستعدة للزواج." _ " ألا تمزحين يا ندى؟ اسمعي لا يحق لك أن تقولي هذا الآن. هل يوافقك والداك؟" _ وليد... أنت رجل عظيم قطع الاتصال وشعرت باستياء شديد..لماذا يا وليد؟؟ لماذا لا يكلمني أحدٌ ما ويشرح لي ما يحصل؟ * * كنت استمع لأذان المغرب بشرود عندما سمعت طرقاً متتابعاً على باب غرفتي وقبل أن أنطق بحرف دخل وليد،وأغلق الباب بالمفتاح وقال وهو يحاول أن يتمالك أعصابه :" ندى، أنت تعرفين أنني لا أجيد الكلام كما لا أعرف فن التفاوض.هل كنت تمزحين حين اتصلت بك؟" كنت أخافتني لهجته الحازمة وتخيلت أنّ شجاراَ حادّاً جرى بيننا وانقطعت لغة الحوار فضربني...كرهت فكرة الزواج أكثر فأكثر فقلت له ببطيء:" لا ، كنت أعني ما قلته!" تنهدّ قائلاً :"لماذا الآن؟" أطرقت وأنا أشعر بدموعي على وشك الانهمار وغمغمت:" لا وكفى!" أمسك بذراعي بعنف قائلاً :" أتعلمين ما معنى هذا؟ أنت لم تحبيني يوماً، لكنك أردت التلاعب بي. كنت ستسخرين مني لأنك بلا شك سمعت زملائنا يقولون أنني لا أجذب النساء ولا أعرف كيف أتعامل معهن. أليس كذلك؟ كيف استعطت أن تلعبي هذا الدور حتى اللحظة الأخيرة؟ هل راهنتهم على ذلك. قد أكون أحمقاً لكني لست عديم الكرامة يا دكتورة ندى." واستدار ليخرج، أسرعت أمسك بيده والصدمة تتملكني، توقف قليلاً ثم قال بسخرية:" متى ستحتفلين بهذا النصر؟" _ " لا تكلمني هكذا. لا يحق لك أن تقول ذلك . لم يخطر لي يوماً أن أمثلّ عليك يا وليد. أنا أحبك لكني لا أستطيع الزواج بك. حسناً ،الأمر قد يبدو لك سخيفاً ، لكنني أخشى الزواج. أتدري ما معنى أن أعيش بعيداً عن أهلي وبيتنا هذا؟ أتدري ما معنى أن أعيش سبعة وعشرين عاماً هنا وفجأة أترك كل هذا؟ دفعة واحدة.." جلس على طرف السرير وقال بهدوء:" لو فكرت كل الفتيات هكذا فالنتيجة ستكون كارثة .هل أنت واثقة أنه لا توجد أسباب أخرى للتراجع؟" كان يبدو محبطاً وحزيناً فسألته بتردد:" هل تحبني يا وليد؟" تأملني مطوّلاً ثم همس بصوت متهدج:" نعم ، كنت أهرب من الاقتراب من أية امرأة خوفا من الرفض وعندما أحببت أخيراً ورضيت بالزوج بي أحسست أن الله رضي عني ، لماذا يا ندى؟ ماذا فعلت لتركليني هكذا ؟ تزوجيني يا ندى وستكونين سعيدة أقسم لك.لن تبتعدي عن أهلك وسنزورهم يوميا حتى يملوا منا ويطردوننا، لدي عرض أفضل... سننام هنا كل يوم جمعة حتى يضيق والداك ذرعاً منا.أحبك أيتها الحمقاء.." جذبني نحوه وقال بتوسل:" وأنت ؟ هل أعني لك شيئاً؟" شعرت بخجل شديد من نفسي وأومات برأسي إيجاباً ... ثم خرجنا نخبر والديّ ، فابتسم أبي قائلاً:" كنت أعرف ذلك أمها فعلت الشيء نفسه معي ... لا تتفاجىء لو تصرفت ابنتكما على النحو ذاته."